عطارد
يظهر بقعة صغيرة على سطح الشمس عندما يقع بينها وبين الأرض مباشرة. ونظرًا لصغر حجم الكوكب وقربه من الشمس فلابد من استخدام التلسكوب لرصد هذا العبور.
عطارد
أقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى الشمس. وحجمه أصغر من حجم الأرض، حيث يبلغ قطره 4,878 كم، وهذا يعادل خمسي قطر الأرض تقريباً. ويبلغ متوسط بعده عن الشمس 579 مليون كمِ، أي ما يزيد قليلاً عن نصف بُعْد كوكب الزهرة عن الشمس، الذي يبلغ 10,8230,000كم. وهو الكوكب الذي يلي عطارد مباشرة من حيث القرب من الشمس.
ونظراً لصغر حجم عطارد وقربه من الشمس الساطعة اللامعة، فإن رؤيته تصبح صعبةً بدون استعمال التلسكوب، ولكن يمكن رؤية عطارد فوق الأفق الغربي بعد غروب الشمس مباشرةً في أوقات معينة من السنة. وفي أوقات أخرى يمكن رؤيته فوق الأفق الشرقي قبل شروق الشمس بقليل. ولابد من توخي الحرص الشديد عند النظر إلى عطارد بوساطة تلسكوب بصري حيث يجب على الراصد أن يتحاشى دخول قرص الشمس في مجال رؤيته، لأن النظر إلى قرص الشمس مباشرة خلال التلسكوب يسبب فقد البصر.
المدار .
يتحرك عطارد في الفضاء حول الشمس في مسار بيضي
، ويكون على بعد 46 مليون كم من الشمس عندما يكون أقرب مايمكن منها. وتزيد هذه المسافة على 69,8 مليون كم عندما يكون عطارد أبعد مايمكن عن الشمس. وأقل مسافة يقترب فيها من الأرض تساوي 91,7 مليون كم.
وعطارد أسرع الكواكب من حيث الدوران حول الشمس، ومن ثَمْ أطلق عليه الرومانيون القدماء هذا الاسم تيمناً باسم أسرع رسلهم إلى آلهتهم. وينطلق عطارد في مداره بسرعة متوسطها 48كم في الثانية ليُكمل دورته حول الشمس كل 88 يوماً أرضيًا، في حين تُتم الأرض دورتها حول الشمس كل 365 يومًا أو سنة أرضية واحدة.
دورانه.
في الوقت الذي ينطلق فيه عطارد سابحاً في الفضاء حول الشمس، فإنه يدور حول محوره
، وهو خط وهمي يمر بمركزه. ويدور عطارد حول محوره كل 59 يوماً أرضياً تقريبًا. ويعتبر من أبطأ الكواكب في سرعة الدوران حول محوره. ولايوجد أبطأ منه في ذلك سوى كوكب الزهرة. ونظراً لسرعة دوران عطارد حول الشمس، وبطء دورانه حول محوره فإن الفترة التي تمضي بين شروق الشمس مرتين متتاليتين على سطح عطارد، وهو اليوم العطاردي، تبلغ 176 يوماً أرضيًا.
وحتى عام 1965م كان الفلكيون يعتقدون أن عطارد يدور حول محوره مرة كل 88 يوماً أرضياً، أي نفس الزمن الذي يستغرقه الكوكب في دورته حول الشمس. ولو كان هذا صحيحاً لظلت الشمس ثابتة لاتتحرك في سماء عطارد، ولظل أحد وجهيه في مواجهة الشمس دائماً (نهار سرمدي) ولبات الوجه الآخر في ظلام دامس إلى الأبد (ليل سرمدي).
وفي عام 1965م أطلق الفلكيون أشعة رادار إلى عطارد واستقبلوها عند ارتدادها من سطحه. ووجدوا اختلافاً واضحاً بين أشعة الرادار المرتدة عن وجهي الكوكب. وبدراسة الفرق بين الأشعة المرتدة عن الوجهين أمكن قياس سرعة تحرك الوجهين، ومن ثم الفترة الحقيقية لدورانه حول محوره. وفترة الدوران ذات الـ 59 يومًا. تعادل ثلثي العام العطاردي الذي يتكون من 88 يومًا.
كوكب عطارد.
أمكن تصويـره بالتفصيـل لأول مرة فـي 29 مـارس سنة 1974م بوساطة مركبة الفضاء الأمريكية مارينر - 10. وقد كانت المركبة على بعد 200000 كم من سطح الكوكب عندما التقطت الصورة.
أوجه عطارد.
بعد مشاهدة عطارد من خلال التلسكوب، لوحظ أن هناك تغيُّرات تطرأ على شكله وحجمه. ويطلق على تلك التغيُّرات الظاهرية اسم الأوجه
(الأطوار). وهي تشبه التغيُّرات التي تطرأ على وجه القمر خلال العام القمري، حيث تنشأ عن تغيُّر الأجزاء المضاءة من وجه عطارد عندما نرصده من الأرض في أوقات مختلفة.
يحدث أثناء دوران عطارد والأرض حول الشمس أن يقعا على جانبين مختلفين من الشمس مرة كل 116 يوماً. وعندما يحدث ذلك، وتقع الأرض على جانب، ويقع عطارد على الجانب الآخر من الشمس، فإننا نرى معظم الوجه المضيء منه، ويظهر لنا عطارد عندئذ قرصًا مستديرًا ساطع الضوء. وكلما اقترب عطارد من الأرض أثناء دورانها حول الشمس، تبدأ أجزاء من وجهه المضيء في الاختفاء تدريجياً، وبعد 36 يوماً لانرى سوى نصف الوجه المضيء. وبعد 22 يوماً أخرى يصل عطارد إلى نفس الجهة من الشمس التي توجد بها الأرض، ويصبح أقرب مايمكن منها، وعندئذ لانرى من وجهه المضيء سوى شريط ضيق. ثم تبدأ مساحة الجزء المضيء من عطارد ـ كما تُرى في الأرض ـ في التزايد تدريجياً مرة أخرى بعد مروره أمام الشمس مبتعدًا عن الأرض.
وعندما يقع عطارد على الجانب نفسه من الشمس حيث الأرض يكون وجهه المظلم هو الذي يواجه الأرض وتصعب رؤيته في هذه الحالة. ونظراً لأن عطارد والأرض يدوران حول الشمس بزوايا مختلفة؛ فإن عطارد لايمر بين الشمس والأرض مباشرة إلا على فترات متباعدة تتراوح بين ثلاثة أعوام وثلاثة عشر عامًا، وعندما يحدث ذلك يُقال إن عطارد في طور العبور
. وعندئذ يمكن رصده بقعة سوداء صغيرة تتحرك عبر قرص الشمس المتوهج.
نظـرة إلى عطارد.
عطارد كما يظهر من الشكل أقرب الكواكب إلى الشمس. ولازال الفلكيون يرمزون إليه بالرمز الموضح أعلى على اليمين.
السطح والغلاف الجوي.
تظهر تضاريس سطح عطارد أشبه مايمكن بتضاريس سطح القمر. فكلاهما يكتسي بطبقة رقيقة من غبار السليكات
الناعم الذي يعكس 6% من ضوء الشمس، الذي يصل إليه، وهو المقدار نفسه الذي يعكسه القمر. وتمتد على سطح عطارد سهول عريضة منبسطة، تتخللها جروف صخرية شديدة الانحدار، وكثير من الفوهات مثل تلك التي على سطح القمر. ويعتقد كثير من علماء الفلك أن تلك الفوهات الفائرة تَكوَّنت بفعل النيازك التي تهوي بسرعة فائقة وترتطم بسطح الكوكب. وحيث إن الغلاف الجوي المحيط بعطارد خفيف جداً، فإنه لايستطيع التقليل من سرعة اندفاع النيازك نحو السطح. كما أن الحرارة الضئيلة الناشئة عن الاحتكاك لاتستطيع إحراقها.
وعلى الرغم من تشابه تضاريس سطح عطارد مع سطح القمر، فإن كثيراً من العلماء يظنون أن باطن عطارد يشبه إلى حد كبير باطن الأرض. فقد أدى اكتشاف وجود مجال مغنطيسي حول عطارد إلى اعتقاد بعض العلماء أن عطارد له قلب كبير من الحديد المنصهر بالإضافة إلى معادن ثقيلة أخرى مثله في ذلك مثل الأرض.
وكوكب عطارد جاف شديد الحرارة، لايوجد حوله هواء. وتبلغ شدة أشعة الشمس التي تسقط على عطارد سبعة أمثال الأشعة التي تسقط على الأرض. وتظهر الشمس كبيرة في سماء عطارد، فتبدو مساحتها أكبر من ضعف مساحة الشمس التي نراها من الأرض بنسبة 5: 2. كما أنه لاتوجد في جو عطارد غازات كافية لامتصاص جزء من حرارة وضوء الشمس؛ ولذلك ترتفع درجة حرارة الكوكب إلى 427°م أثناء النهار، وتنخفض إلى -173°م تحت الصفر أثناء الليل. ونظراً لعدم وجود غلاف جوي يُذكر، فإن سماء عطارد تبدو سوداء، وتُرَى فيها النجوم أثناء النهار.
ويتكون الغلاف الجوي لعطارد من كميات صغيرة من غازات الهيليوم والهيدروجين والنيون. وتوجد أيضاً آثار ضئيلة من غازات ثاني أكسيد الكربون والكريبتون والزينون. وهذا الغلاف من الرقة بمكان، حتى أن أعلى قيمة للضغط الجوي
على سطح عطارد لاتتجاوز 0,000,000,000,002كجم (جزءين من مليون مليون جزء من الـكيلو جرام) على السنتيمتر المربع. قارن ذلك بالضغط الجوي على سطح الأرض الذي يبلغ كيلو جرام على السنتيمتر المربع. (الضغط الجوي هو القوة المؤثرة على وحدة المساحات من السطح نتيجة لوزن الغازات الموجودة في الجو).
ونظراً لشدة الحرارة وانعدام الأكسجين على سطح عطارد، فإن نباتات وحيوانات الأرض لايمكن أن تعيش على عطارد. ويشك العلماء في وجود أي نوع من الحياة على الكوكب.
الكتلة والكثافة.
تقل كثافة مادة عطارد قليلاً عن كثافة
مادة الأرض. انظر: الكثافة
. ويعني ذلك أن قطعة من عطارد تزن تقريباً مثل قطعة مماثلة لها في الحجم من الأرض. ولكن نظراً لصغر حجم عطارد فإن كتلته
تقل كثيراً عن كتلة الأرض. انظر: الكتلة
.
وصغر كتلة عطارد يجعل قوة جاذبيته على سطحه حوالي ثلث قوة الجاذبية الأرضية. فالجسم الذي يزن 45 كجم على سطح الأرض لايزيد وزنه على 17 كجم على سطح عطارد.
رحلات إلى عطارد.
كانت مركبة الفضاء الأمريكية غير المأهولة مارينر - 10
المركبة الوحيدة التي وصلت إلى عطارد ودارت حوله. فقد اخترقت تلك المركبة الفضاء من الأرض حتى وصلت إلى بُعد 740 كمً فقط من عطارد، وكان ذلك في التاسع والعشرين من شهر مارس سنة 1974م، والمرة الثانية في 24 سبتمبر 1974م، ثم مرة ثالثة في 16 مارس سنة 1975م. وقد كشفت هذه الرحلات عن وجود مجال مغنطيسي حول عطارد. كما تمكنت من إرسال صور لأجزاء من سطح عطارد إلى الأرض (انظر الشكل).
دخلت مارينر ـ 10 التاريخ بوصفها أول مركبة فضائية تتمكن من دراسة كوكبين من كواكب الشمس في رحلة واحدة. فقد تمكنت من تصوير كوكب الزهرة وإجراء تجارب علمية عليه وهي في طريقها إلى عطارد. وقد تأثرت المركبة الفضائية بقوة جاذبية كوكب الزهرة أثناء مرورها بالقرب منه، مما جعلها تزيد من سرعتها لتصل إلى عطارد في زمن أقصر، مع استهلاك وقود أقل مما يلزمها لو أنها انطلقت من الأرض مباشرة إلى عطارد دون المرور بالزهرة.
وربما رأينا في المستقبل القريب مركبات أخرى غير مأهولة تتخذ مدارات لها حول عطارد، أو ترتطم به، أو تهبط على سطحه. وسوف تسهم البيانات التي تبعث بها تلك المركبات في رسم صورة أوضح للكوكب، وتُمكِّن العلماء من معرفة شيء عن نشأة ذلك الكوكب. أما ارتياد عطارد بسفن مأهولة بالبشر فسوف يكون من الصعوبة بمكان نظراً لعدم ملاءمة الأحوال على سطح الكوكب.