الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد.. .
تحية المسجد...
التحية مصدر حياه يحييه تحيه وأصلها في اللغة: الدعاء بالحياة ، فتحية الله لعباده السلام في الدار الآخرة فقد شرع الله تعالى لهم إذا تلاقوا أن يقولوا :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
التحية في الاصطلاح : لها معاني كثيرة مثل التحية بين الأحياء في قوله تعالى : {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} النساء (86).
وكذلك تحية الأموات فإذا مر المسلم بالقبور أو زارها سن له أن يقول «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية» رواه مسلم .
كذلك يستعمل الفقهاء التحية بمعنى تحية المسجد ويقصد بها صلاة ركعتين يصليها المسلم إذا دخل المسجد قبل أن يجلس .
قال الدسوقي : معنى قولهم تحية المسجد تحية رب المسجد لأن الإنسان إذا دخل بيت الملك إنما يحيي الملك لا بيته.
تحية المسجد الحرام .
تحية المسجد الحرام هي ركعتان كغيره من المساجد لعموم الأدلة الآمرة بالتحية دون تخصيص مسجد عن آخر، فمن دخل المسجد الحرام وأراد القعود لانتظار الصلاة أو لحضور درس أو لقراءة القران فإنه يصلي ركعتي المسجد
أما
من دخل المسجد الحرام يريد الطواف فإنه يطوف ويجزئ الطواف عن التحية لتضمنه الركعتين
وأما
القول بأن تحية المسجد الحرام الطواف لكل داخل ففيه نظر : أولاً : لضعف الحديث الوارد وهو «من أتى البيت فليحييه بالطواف» ضعفه ابن حجر ثانيا : لما فيه من حرج عظيم على المسلمين لاسيما إذا تكرر دخول المسجد وخصوصًا أيام المواسم كرمضان والحج .
التحية أثناء خطبة الجمعة؟
يشرع لمن دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب أن يصلي ركعتين خفيفتين لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما» رواه مسلم، مع مراعاة أن تكون ركعتين خفيفتين يتجوز فيهما ولا يطيل كما ورد في الحديث .
أداء التحية في أوقات الكراهة والنهي.
أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة :
1- عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح في السماء.
2- و عند استوائها في وسط السماء حتى تزول .
3- وعند اصفرارها بحيث لا تتعب العين في رؤيتها إلى أن تغرب لحديث عقبة ابن عامر قال رضي الله عنه «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب أي حين تميل حتى تغرب» رواه مسلم
ويجوز في أصح قولي العلماء أن يصلي التحية من دخل المسجد في وقت الكراهة ، فمن دخل المسجد وقت النهي فجلس ولم يصل كان مخالفا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمر بفعل التحية أمرا عاما وكان مفوتا للمصلحة أن لم يكن آثما بالمعصية، وإن بقى قائما أو امتنع عن الدخول فهذا خطأ عظيم ، قال ابن تيميه : وما زال المسلمون يدخلون المسجد طرفي النهار، ولو كانوا منهيين عن تحية المسجد لكان هذا مما يظهر نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عنه، فكيف وقد أمرهم إذا دخل احدهم المسجد والخطيب على المنبر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، أليس في أمرهم بها في الوقت تنبيها على غيره من الأوقات ؟
التحية وقت الأذان.
لو دخل المصلي المسجد والمؤذن يؤذن فهل يصلي التحية حال الأذان أو يجيب المؤذن حتى يفرغ من الأذان ثم يصلي التحية ؟
هناك أمران في هذه المسألة :
1- إذا دخل المصلي عند الأذان الثاني يوم الجمعة فانه لا يتابع المؤذن بل يصلي التحية ليتفرغ للأمر الواجب وهو سماع الخطبة، فإن سماع الخطبة واجب أما الترديد خلف المؤذن سنة فلا يقدم السنة على الواجب .
2- أما إذا دخل المصلي إلى المسجد والمؤذن يؤذن لإحدى الصلوات غير الجمعة فإنه يستحب له أن يجيب المؤذن ويتابعه ثم يصلي تحية المسجد ليجمع بين الفضيلتين، قال ابن قدامه: و إن دخل المسجد فسمع المؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول جمعا بين فضيلتين، ومن لم يقل كقوله وافتتح بالصلاة فلا بأس .
مسائل
1- تخفيف الركعتين لا يعني الإسراع في الصلاة بل الاقتصار على الأركان والواجبات دون السنن .
2- لا تجوز الزيادة على الركعتين والإمام يخطب لأن الإنصات للخطبة واجب .
3- قال النووي : وإن دخل والإمام في آخر الخطبة وغلب على ظنه أنه إن صلى التحية فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصل التحية بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لئلا يكون جالسا في المسجد قبل التحية وأن أمكنه الصلاة وإدراك تكبيرة الإحرام صلى تحية المسجد، أما إذا دخل الإمام في الخطبة حرم على من في المسجد أن يبتدئ بصلاة النافلة لأن الانصات للخطبة واجب ، والواجب مقدم على النفل، وإن كان في صلاة خففها باتفاق الفقهاء .
الصلاة وترًا هل تغني عن التحية؟.
صلاة الوترسنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء وتجوز بواحدة أو أكثر فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوتر حق على كل مسلم ، فمن شاء أوتر بسبع ومن شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بواحدة» رواه أبو داوود
فمن دخل المسجد وصلى الوتر ركعة واحدة فهل تسقط التحية بأداء الوتر ركعة واحدة ؟ الذي عليه جمهور الفقهاء أن التحية لا تسقط بفعل ركعة واحدة لأن الحديث نص على ركعتين وهو حديث أبي قتادة : «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» فمفموم الحديث الركعتين وعدم إجزاء الواحدة .. قال النووي: ولو صلى على جنازة أو سجد شكرًا أو للتلاوة أو صلى بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا ، وقال بعض أصحابنا: تحصل ، وهو خلاف ظاهر الحديث
التحية وقت إقامة الصلاة
إذا دخل المصلي المسجد وأراد أن يصلي التحية فلا يخلو ذلك من حالتين:
الحالة الأولى: أن يبدأ بالتحية وقد أقيمت الصلاة أو بدا الإمام في صلاته .
الحالة الثانية: أن يصلي التحية ثم تقام الصلاة أثنائها .
أما في الحالة الأولى وهي أن يبدأ بالتحية وقد أقيمت الصلاة أو بدأ الإمام في صلاته فلا يجوز أن يصلي التحية إذ أن المسلم منهي عن الصلاة وقت إقامة الصلاة المكتوبة كما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» رواه مسلم .
أما في الحالة الثانية : بأن يشرع المصلي بالتحية فتقام الصلاة أثناءها فإن غلب على ظنه أنه يدرك تكبيرة الإحرام بعد الإمام مباشرة فلا يقطع صلاته بل يتمها كما لو كان في الركعة الثانية أو في نهايتها ، وان غلب على ظنه أن لا يدرك تكبيرة الإحرام بعد الإمام مباشرة فله قطعها كما لو كان في الركعة الأولى لقوله صلى الله عليه وسلم : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» رواه البخاري ومسلم والذي يظهر أن المصلي في حال قطع الصلاة لا يحتاج إلى تسليم حيث أن التسليم إنما يكون للصلاة التامة الكاملة .
حكم تحية المسجد.
هي واجبة لحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» رواه البخاري ومسلم .
وحديث جابر قال : «جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال له : يا سليك ! قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ، ثم قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما» رواه البخاري ومسلم قال أبي قتادة: أعطوا المساجد حقها، قيل له: وما حقها؟ قال: ركعتين قبل أن تجلس. رواه ابن أبي شيبه
هل تكرر التحية بتكرار الدخول؟.
ظاهر الأحاديث تدل على أن التحية تتكرر بتكرار الدخول بدليل حديث أبي قتادة حيث إن ظاهر الحديث أن التحية مشروعة وإن تكرر الدخول للمسجد، وقد مال إلى هذا الكثير من العلماء مثل الشربيني الخطيب الشافعي حيث قال: إن تحية المسجد ركعتان قبل الجلوس لكل دخول ولو تقارب ما بين الدخولات أو دخل من مسجد إلى أخر وهما متلاصقان . كذلك النووي حيث يقول: لو تكرر دخوله في المسجد الساعة الواحدة مرارا تستحب التحية لكل مرة ، وهو اختيار الشيخ السعدي في الفتاوى حيث نص على أنه تسن تحية المسجد حتى لو تكرر دخوله.
هل تسقط التحية بالفرض والسنة؟.
ذهب عامة الفقهاء إلى أن من دخل المسجد فصلى نافلة أو راتبة أو فريضة فإنها تجزئ عن التحية، فمن دخل المسجد وصلى العصر مثلا سقطت عنه التحية بفعل فريضة العصر وهكذا في النافلة والراتبة،
ولا فرق في هذا أن تكون الفريضة مؤداة أو مقضيه أو منذورة أو أن تكون النافلة راتبه أو غير راتبه والسبب في ذلك أن المقصود وجود الصلاة قبل الجلوس بالمسجد وذلك لتعظيم المسجد بأي صلاة لتكون تحية للرب عز وجل ، قال الحطاب : فان ركعتي التحية لا تفتقر لنية تخصها ، فأي صلاة حصلت عند دخول المسجد كفت عن التحية فريضة كانت أو نافلة.
هل تفوت التحية بالجلوس ؟.
التحية لا تسقط بالجلوس وهو قول جمهور العلماء،
فإذا دخل الإنسان المسجد ثم جلس قبل فعل التحية فإنه يتدارك ذلك ويقوم ويصلي التحية فلا تفوت عليه التحية بالجلوس لحديث جابر قال : «جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما» رواه البخاري ومسلم .
وحديث أبي قتادة حيث قال : «دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس ؟ قلت : يا رسول الله رأيتك جالسا والناس جلوس، قال : فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» رواه مسلم
والشاهد من الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلمأنكر على الصحابة عدم صلاتهم حتى بعد جلوسهم وأمرهم بركعتي تحية للمسجد .
التحية لمريد الجلوس .
أم لمن أراد الدخول للمسجد التحية لمريد الجلوس في المسجد وهو الراجح من أقوال الفقهاء، وليس لمن أراد الدخول للمسجد بدليل حديث قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» رواه البخاري ومسلم، حيث إن مفهوم الحديث أن التحية إنما تشرع لمريد الجلوس لأن الأمر إنما توجه لمن أراد الجلوس، ولذلك جاءت رواية أخرى لفظ «فليركع ركعتين قبل أن يجلس» رواه البخاري ومسلم ، ولا يقال ذلك لمن لا يريد الجلوس أما المار فلم يتوجه إليه الأمر والأصل عدمه . وقد ورد عن الصحابة و التابعين أنهم كانوا يدخلون المسجد ويخرجون دون صلاة .. فقد روى عبد الرزاق في المصنف عن العلاء بن عبد الرحمن قال : «رأيت ابن عمر دخل المسجد وخرج منه فلم يصل فيه» وقال ابن القاسم: ورأيت مالكا يفعل ذلك يخرقه مجتازا فلا يركع.
أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه وأن يكون ما كتبته خالصًا لوجهه الكريم .استغفر الله العظيم التواب الرحيم لذنبي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات الى يوم الدين أمين يارب يارب يارب يارب . لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالين و صلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله و صحبه وسلم تسليما ..